نحن أبناء النور مهمتنا أن نساعد أبناء الظلام قبل أن ننطفئ.
قصة الماضي.
حكايتي مع الماضي:
في إحدى الأيام الباردة، مساءً، كنت أعيش يومي الهادئ بالمنزل، عندما وجدت نفسي أتذكر الماضي وأنغام الذكريات الجميلة. تسللت تلك الذكريات إلى عقلي كطيور الخريف الباكية، حكايتي مع الماضي بدأت تتكون وتتشكل على الأوراق.
تمر العقود من الزمن، سريعة كالأيام الجشعة، يبدو أن بداية حكايتنا الغامضة بدأت في تلك المدينة الجميلة، حيث ولدت وترعرعت، تلك المدينة الذي ينبع من جدرانها الأصالة والمعرفة، حيث تتساقط الأفكار من السماء كحبات المطر وتتراقص بها الدروب العتيقة.
تلك المدينة هي الرياض وهي حكاية عشق بين الزمان والمكان، أحياناً يكون بالصدفة يتكون بينهما تفاصيل أكثر جمالاً. في أحضان هذه المدينة تفتحت الرياح التي رسمت البسمة على وجهي، ولكن كانت تلك البسمة مستعارة من النسمات الدافئة في تلك الشتاء، وعلى مرور الزمن فقدت تلك البسمة ذكرياتها، وأصبحت مشتتة كأوراق الشجر المتبعثرة على الأرض بعد أن مرت فيما مضى.
كان جدّي إحدى شيوخ ذلك الجيل الأول في المدينة الذي أرسته أجدادي بأكفهم الفتية، كان جدّي كالنبيل الناصع، من أجِل أن الغد مستقبلٍ أفضل، فَـهَمه الحفاظ على اللغة وعلى عقيدة الهجاء الصحيح ورسم العبارات الطيبة، تلك العبارات التي دارت في أوردتي وتناقلت من شجرتي في الحياة.
تعلمت من جدي و والدي الحب والأمل والشهامة، وأنا مدين لهما بالمعرفة، فقد كانا النور الذي أنار دربي في ظلمة التيه الحاصلة عن نبوءة الزمن المزعجة! ومنذ ذلك الحين، أرسم الطريق المظلم، حتى ضجّت به الأرض واتسعت قلوب الناس الذين تتلون عيونهم بالسواد والحسد. جدّي شبه صخرة لاتغيرها الأمواج ولاتكدر مياهها الزلزال، عاش فوق الأرض بإصرار القلم على الأوراق، وكأنه نبض المحيط قلبه، وأنا يا رب لاكون أعظم من سلف الذي كانت بدايته بهذا الكون ومنه أترجم إلى هذا العالم بابتسامة والضحك المقمعة.
كان الماضي البعيد لتلك السنوات ينساب فوق الذكريات مع هيبة الأحلام الفارّة في طيات الوقت، عندما اجتاحت الأرض الظلمة، وسودت السماء بغيم من الخوف والأحزان، لم تنجو فيها إلا أشجار الصبر والأمل، فزهرت بين أطول الأشجار حياة جديدة لم تعرفها الناس قبلها، أيام عجافٍ حيث الماء ملك الأقوياء ويعيش الضعفاء تحت أرضية اعتقت من جدار الهب والجداء.
فاحت عبير الزهور وأجثم الماء في صدور الآبار، مُزقت السماء بخيوط الفجر الساطع وصلت إلى قلوب الناس بين البياض مغارة أجدادي، عندما علمتني جدّتي العزف على الرغم من الانتظار وتوجيه أصابعي على الأوتار المرهفة منكمشًة على الأرض تحت جناح السماء وجدّي و والدي أقسم لهم أن دمي سينعكس بأوردتهم لأکمال العمل الجبار للذي قاموا به من أجل تربيتي.
تلك الذكريات سكنت قلبي وغمرت أعماق روحي تارة من الألم الذي أضاء لي طريق الأمل وزال بعدها ثورة مكبوتة تحت ضجيج الذكريات، على عاتقي الأمانة حتى الممات، وفس النهاية أصبح الصمت عنواني الدائم.